أحوال عصره: قضى خالد
فترة من حياته في الجاهلية ثم أسلم فصار من أهم قادة الجيوش في عصر النبوة
والخلافة الراشدة، بل هو أمهر الصحابة في القتال وأعلمهم بقيادة
الجيوش.استوعب العصرُ الذي عاش فيه خالد بن الوليد موهبته العسكرية الفذة
بصورة طيبة، فقد كان الصراع الحاد بين الإسلام والجاهلية محتدما، كما أصاب
القلقُ فارس والروم بسبب الطفرة التي وقعت لجيرانهم العرب بعد اعتناقهم
الإسلام، وتحوُّلهم من قوى متنازعة لا خطر ولا قيمة لها إلى قوة واعدة
متكاتفة تحمل للدنيا رسالة ومبادئ.كان هذا الجو مناسبا لشخصية خالد بن
الوليد، خاصة مع وجود توظيف دقيق ورائع للقدرات في الدولة الإسلامية..
كذلك كان الإسلام يسعى إلى تكسير الأطواق التي أحاط بها الأكاسرة
والقياصرة وزعماءُ القبائل شعوبَهم وقبائلَهم ـ فعل الإسلام ذلك ليتيح
للشعوب أن تسمع صوت الهدى، وتؤمن به إن شاءت. وكان خالد بن الوليد واحدا
من الفاعلين بقوة في هذا المُنَاخ.عن قيس بن أبي حازم قال: قال خالد بن
الوليد ـ رضي الله عنه:
ما ليلةٌ تُهْدَى إلى
بيتي فيها عروسٌ أنا لها مُحِبّ، وأُبَشَّرُ فيها بغلام، بأحبَّ إليَّ من
ليلة شديدة الجليد في سَرِيَّةٍ من المهاجرين أُصَبِّح بها العدو". أعماله: بعث رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ خالد بن الوليد في عدة سرايا، وشهد مع رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ فتْح مكة، وبعثه لهدم صنم مضر "العُزَّى" وإزالةِ
معبدها، وخرج مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين وتبوك ويوم حجة
الوداع، فلما حلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأسَه أعطاه شعر
ناصيته، فجعلها في مقدم قلنسوته..ويوم حنين كان خالد على مقدِّمة جيش رسول
الله في بني سُلَيم، فجُرح، فزاره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ونَفَثَ في جُرْحه فَبَرَأ، وأرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى صاحب
دُومة الجندل، فأسره خالد وأحضره عند رسول الله فصالحه على الجزية وردَّهُ
إلى بلده، وأرسله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سنة عشر إلى بني
الحارث بن كعب، فقَدِمَ معه رجال منهم فأسلموا، ورجعوا إلى قومهم
بنجران.وعن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد انقطع في
يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، وصَبَرَتْ في يدي صفيحة لي يمانية.وأخرج البيهقي
عن البراء ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث خالد
بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام..وكان لخالد
الأثر العظيم في قتال الفرس بالعراق والروم بالشام، وقد افتتح دمشق.
مواقفه: عن عبد الملك بن
عمير قال: استعمل عمرُ أبا عبيدة بن الجراح على الشام وعزل خالدَ بن
الوليد، فقال خالد بن الوليد: بُعِث عليكم أمينُ هذه الأمة، إني سمعتُ
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
"أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
"خالد سيف من سيوف الله، نعم فتى العشيرة".وعن
أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله منزلا فجعل الناس يمرون، فيقول رسول
الله: مَنْ هذا يا أبا هريرة؟ فأقول: فلان، فيقول: نِعْمَ عبدُ الله هذا،
حتى مر خالد بن الوليد، فقال: من هذا؟ قلت: خالد بن الوليد، فقال:
نعم عبد الله خالد بن الوليد؛ سيفٌ من سيوف الله". وفاته:لما حَضَرَتْ خالدَ بن الوليد الوفاةُ أوصى أن يكون فرسُه وسلاحُه في سبيل
الله، ودارُه بالمدينة صدقة، وأوكل إنفاذَ وصيتِه إلى عمر ـ رضي الله عنه
ـ وقال:
لقد شَهِدْتُ مائةَ زحفٍ أو زُهَاءَها،
وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمْيَةٌ، وها أنا أموت على
فراشي كما تموت العِيرُ، فلا نامت أعينُ الجبناء، وما مِنْ عمل أرْجَى من لا إله إلا الله وأنا مُتَتَرِّسٌ بها". ثم تُوفي ـ رحمه الله ـ بقرية على بُعد ميل من حِمْصَ بالشام، سنة إحدى وعشرين للهجرة (21هـ) في خلافة عمر بن الخطاب.