أصحاب ,
الأخدود ,
اليومقصة اليوم : أصحاب الأخدودالسلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
قصة
اليوم :
أصحاب الأخدود أشار الله في كتابه العزيز إلى قصة
أصحاب الأخدود في آيات معدودة من سورة البروج بشكل مختصر ، وذلك على طريقة القران في
الإيجاز ، وعدم الخوض في التفاصيل ، وجاء في الحديث النبوي مزيد بيان
وتوضيح لهذه القصة وتفاصيلها ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (
كان
ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت
فابعث إلي غلاما أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان في طريقه إذا
سلك راهب ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب
وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا
خشيتَ الساحر فقل : حبسني أهلي ، وإذا خشيت أهلك فقل : حبسني الساحر ،
فبينما هو كذلك ، إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم
أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل ، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر
الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها
فقتلها ، ومضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أي بني ،
أنت اليوم
أفضل مني ، قد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي
، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوي الناس من سائر الأدواء ، فسمع
جليس للملك كان قد عمي ، فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال ما هاهنا لك أجمع إن
أنت شفيتني ، فقال إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت
بالله دعوت الله فشفاك ، فآمن بالله ، فشفاه الله ، فأتى الملك فجلس إليه
كما كان يجلس ، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ، قال : ربي ، قال : ولك
رب غيري ، قال : ربي وربك الله ، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ،
فجيء بالغلام ، فقال له الملك : أي بني ، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه
والأبرص ، وتفعل وتفعل ، فقال : إني لا أشفي أحدا ، إنما يشفي الله ،
فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب ، فجيء بالراهب ، فقيل له : ارجع
عن دينك ، فأبى ، فدعا بالمئشار ، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع
شقاه ، ثم جيء بجليس الملك ، فقيل له : ارجع عن دينك ، فأبى ، فوضع
المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه ، ثم جيء بالغلام ، فقيل له :
ارجع عن دينك ، فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به إلى جبل
كذا وكذا ، فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا
فاطرحوه ، فذهبوا به فصعدوا به الجبل ، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ،
فرجف بهم الجبل فسقطوا ، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل
أصحابك ، قال : كفانيهم الله ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال : اذهبوا به
فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه ،
فذهبوا به فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ،
وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ، قال : كفانيهم
الله ، فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال وما هو ،
قال : تجمع الناس في صعيد واحد ، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهما من كنانتي
، ثم ضع السهم في كبد القوس ، ثم قل : باسم الله رب الغلام ، ثم ارمني ،
فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني ، فجمع الناس في صعيد واحد ، وصلبه على جذع ، ثم
أخذ سهما من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال : باسم الله رب
الغلام ، ثم رماه ، فوقع السهم في صُدْغِهِ ، فوضع يده في صُدْغِهِ في
موضع السهم فمات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، آمنا برب الغلام ، آمنا
برب الغلام ، فأُتِيَ الملكُ فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل
بك حَذَرُكَ ، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت ،
وأَضْرَمَ النيران ، وقال : من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها ، أو قيل له :
اقتحم ففعلوا ، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها ، فتقاعست أن تقع فيها ،
فقال لها الغلام : يا أُمَّهِ اصبري فإنك على الحق ) .
إن هذه القصة تبين لنا قاعدة مهمة من قواعد النصر ، وهي أن الانتصار
الحقيقي هو انتصار المبادئ والثبات عليها ، وأن النصر ليس مقصوراً على
الغلبة الظاهرة ، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة ، وأن الحياة
الدنيا وما فيها من المتاعب والآلام ليست هي الميزان الذي يوزن به الربح
والخسارة ، لقد انتصر هذا الغلام عدة مرات في معركة واحدة وموقف واحد ،
انتصر بقوة فهمه وإدراكه لأقصر وأسلم الطرق لنصرة دينه وعقيدته ، وإخراج
أمته ومجتمعه من الظلمات إلى النور ، وانتصر بقدرته على اتخاذ القرار
الحاسم في الوقت المناسب ، متخطيا جميع العقبات ، ومستعليا على الشهوات ،
ومتاع الحياة الدنيا ، وانتصر عندما تحقق ما كان يدعو إليه وما قدم نفسه
من أجله ، وانتصر عندما فاز بالشهادة في سبيل الله ، وانتصر عندما خلد
الله ذكره في العالمين ، وجعل له لسان صدق في الآخرين ، صحيح أن الناس
كلهم يموتون ، ولكنهم لا ينتصرون جميعاً هذا الانتصار .