قصيدة كتبتها في
دمسق عام 2000 عندما قمع أيو الراغب لجنة مقاومة التطبيع في عمان.. فعدت
إلى دمشق من بغداد قبل أن أعود إلى سجن الجويدة في عمّان
تعبتُ يا دمشقْ
شعر علي حتر
تعبت يا شآمْ
تعبت يا دمشقْ
في الوطن المنفى
تعبت رغم العشقْ
وحلّ بي الوهنْ
ما أصعب الوطنْ
حيث يكون غربة ومنفى
وحين لا يكونُ
للذين حملوه في العيون
ملجأ ومرفا..
وما أشد قسوة المنفى
حين يكون نفسه الوطنْ
ما أسوأ الصباحْ
يلوح كل يوم بعد ليلِ وحدةٍ
طويل معتم بلا رفاقْ
بدون مُخْبر في مدخل الزقاقْ
ينهكُه النعاس والإرهاقْ
يَرى.. ولا يريد أن يُرى
يلعن مُرْسليه خفيةً
ويشتم النباحْ
من كلبة الحي التي
يدركها الصباح دون أن
تسكت عن نباحها المباحْ
ما أوحش الصباحْ
يُطلُّ موحشا بلا أطفالْ
جَلبتهم .. عراكهم
والبحث عن أشيائهم
وخلطهم للجد بالهزال
وأمّهم..
تنهرهم ليوقفوا المزاحْ
وهم على إيقاظهم.. قد أعلنوا الحرب
وكالهنود الحمر راحوا يدبكون
يعقدون حلقات الرقص والصياحْ
تعبت يا شآمْ..
تعبت من تغيُّبي عن الصدامْ
ومن مفاصلي التي قد صدئت
صارت تنامْ
في الليل والنهار دونما احتكاكْ
أنا الذي ما مر بي يوم بلا عراكْ
ولا أخاف العتم والشراك والشباكْ
في بردى ..
يجنح مركبي الى الضفافْ
فغاطسي عميق
ومثله المجداف
وقبلتي مدينة الغروبْ
همومنا واحدة دمشقُ..إنما
لكل فارس همامْ
ساحته..
وساحتي الجنوبْ
هناك .. أعرف الطريقْ
وقاطعي الطريق
وافهم الأوهام
والسراب والذئاب والخرافْ
تعبت يا دمشق
يا ليتها تحملني الرياحْ
تحملني
بكل ما في القلب من جراحْ
تعيدني لساحتي
هناك حيث التين والزيتون
هناك حيث الدفلة اللئيمةْ
تُزيِّن الدروبْ
وتلعن الغرقد
والذين يغرسون الغرقد الخؤونْ
وتستوي في وسَط الشوارع اليتيمةْ
تُميت من يلوكها من الغزاة
لكنها وحيدة .. تبقى
ولا تموت.. كالحياة
شامخة عزيزة كريمهْ
لو أنها تحملني إلى الجنوبِ
كي أقول ما وُلدت كي يُقالْ
أُنْطِق في زنزانتي الجدران والقضبانْ
وأُرهب السجانْ
أنا الذي
ما عشت يوما في إطارْ
ولا رضيت العمرَ..
أن يحميَني رف يغطيه الغبارْ
أو أن أموت صامتا
معلقا.. كتحفة على جدارْ
أنا الذي.. رغم ارتفاع الموج
لم أطْو الشراعْ..
وما أخافني..
بعينه الوحيدة القرصانْ
وجنده الرعاعْ ..
وما حنيت هامتي ولا جثوتْ
للرمح أو للمالْ..
للغول أو للموتْ
ما كنت يوما " جمعة"
يخضعه الارهاب..
ولا خشيت راجفا...
سيف كروزو الغاصب الكذابْ
والسحر والالعابْ
ولا خررت ساجدا
للرجل الأبيض.. لا ولا..
تبعت السادة الاذنابْ..
جزيرتي وغابتي لي.. إنما
كر .. وفر.. ربما
لكنما
مازال لي في جعبتي الرفض
مقاتلا .. لم يقفل الكتاب
وإنني لأجله..
لن أكسر الحراب
سأهزم الذي
أعاد هولاكو وغزوة التترْ
من الضياع والشتاتْ
سأهزم الذي.... في غفلة
في ليلة..
بلا قمرْ..
قد فتح الاسوارْ
ليعبر الاشرار
في سنوات الوعي والحذرْ
ذاك الذي.. أعمته لمعة الفتاتْ
فباعنا..بفضة من كنزنا مسروقة
لم يرَ كيف "المتنبي "
يُنطقُ الرصيف.. لم يزلْ
وكيف أن الكلماتْ
قد أزهرت في الجمر من جديدْ
واشعلتها الريح
في بقايا الكتب المحروقة
تقرأ مثلما نريدْ
تقرأ في سكون دجلة العصي.. لم تزل
تخلط بين ثورة الزنج ورفض الفقراء والعبيد
وتأكل اللهبْ
ومن بقايا عامرية الغضبْ
تشيّد الحياة والأمل
سأهزم العلج الذي
أعمته لمعة الفتات
فما رأى يسوعْ
في "فارس " مقاتلا في يده حجرْ
يهزأ بالصلبان والدروعْ
ويلعن الجموعْ
ولا رأى يسوعْ
يرفع شوكة الصبار من حقل الرعاةْ
هراوة في وجه جند الزائر الممقوتْ
ويصلب الطغاةْ..
اليوم هولاكو يعود كي يموتْ
والف الف مرة
لو عاد هولاكو يموتْ
علمني الصبار في سلوانْ
بالشوك يحمي عسلهْ
فيردع الوحوش عن سرقته
والقتلةْ
علمني أن ألعن الهوانْ
ولحظة..
ألا أنام عن حراسة المكانْ
دمشق .. اني ذاهب
فقبليني قبلة الوداعْ..
أعود يوما.. ربما..
وربما..
تلفّني زوابع الصراعْ
لكنني باق على ميعادنا
مهما تمادى البعد والزمانْ
إني سأدعوك..
إذا هبّ النسيم من منافذ الشمالْ..
ادعوك شاديا مدندنا
يذيبني النسيم والموالْ..
"ريح الشمال يا ربيع بْلادنا"
نسِّم علينا.. حاملا من ضادنا.
تحية الأصحاب والخلانْ
دمشق 2000