جورج جحا
عمل شكيب خوري الاخير
"الحفرة وقصص اخرى" يشير من جديد الى قدرة الكاتب الفنية على القص المتنوع
في مجالات عديدة من الحياة منها النفسي ومنها الواقعي العملي.
والواقع
ان هذا الكتاب قد يوصف بأنه يضم قصصا متعددة ولكن يصح فيه القول -خاصة في
العمل الاساسي الذي حمل عنوان "الحفرة"- انه يضم رواية واحدة على الاقل هي
قصة "الحفرة" اذا استثنينا غيرها مثل قصة "ورد" مثلا. اما الحفرة فقد جاءت
في اكثر من 110 صفحات من اصل صفحات الكتاب المتوسطة القطع التي بلغت 282
صفحة. وقد صدر عمل شكيب خوري عن دار "بيسان للنشر والتوزيع والاعلام" في
بيروت. والدكتور شكيب خوري استاذ جامعي ومخرج مسرحي وممثل وكاتب رواية
ومسرحية وله ما لا يقل عن مجموعتين شعريتين.
في العمل الاساس اي
"الحفرة" يظهر الكاتب قدرة فنية على تناول اكثر من مجال واحد من مجالات
الحياة.. فهو ذو عين فاحصة تلفتها تفاصيل ما يجري من يوميات الحياة. وهو
في الوقت نفسه قادر على الابحار في عالم النفس البشرية لتقديم صورة انسان
على قدر كبير من السادية ومن الانكفاء الذي فرض عليه وجعله يسعى الى
استعادة دوره في الحياة لكن بطريقة غير سوية نفسيا وعمليا.
يهدي
المؤلف قصته هذه الى "هؤلاء الذين سجلوا على اوراق نقدية ما حركت فيهم
اللحظة او المغامرة من مشاعر حب وحنين وانتقاد ساخر. رسائل انتقلت الي
صدفة فأثارت ذاتي الروائية وولدت "الحفرة"."
يتصور الكاتب عالم
شرطي تحريّ احيل الى التقاعد وهو مليء بشعور المرارة وبالشك الدائم وبتصور
انه حتى بعد التقاعد يستطيع كشف المؤامرات التي تحوكها عصابات الجريمة
والمخدرات. وينشر شكيب خوري صور اوراق نقدية لبنانية كتبت عليها كلمات
منها ما بدا تهديدا ومنها ما كان يوحي باسرار ومنها كلام حب وغير ذلك.
الشرطي المتقاعد وجد في هذا الكتابات اعمال عصابات وأسرارا وتهديدا بأعمال اتية فقرر ملاحقة المجرمين.
الشرطي
المحال على التقاعد يحتفظ في منزله بفتاة كأنها اسيرته او امة لديه. كانت
الفتاة "عطر" احدى بنات الهوى عندما قبض عليها "ب" وخيرها بين السجن او
العمل لديه في منزله. كان الرجل متزوجا قبل ذلك لكن زوجته توفيت.
يقول
الكاتب مستهلا القصة "اصبح لديك ايها القارىء بكل امانة مخطوطة "الحفرة"
كما وصلتني من دون ان اضيف اليها حرفا... اعترفت عطر بأنها اختلست
اليوميات التي سجلها سجانها "ب" وكشفت عن الوجه الاخر لها الناقص والمكمل
الذي تجاهله كي تستنتج بنفسك ايها القارىء الحقيقة وتعدل."
وبدا من
كلامها ان الشرطي السابق انما كان يصور نفسه بغير ما هي ويرسم لنفسه
ادوارا وبطولات في الماضي لكنه بعيد عن الطيبة وكثير من بطولاته مخترعة.
المخطوطة تسجل ما يحلو له ان ينسبه الى نفسه وها هي عطر تفضح كذبه وتظهر
قسوته وساديته.
كان يعذبها ويكوي اصابع قدميها بالجمر ويقفل عليها باب البيت من الخارج اذا خرج ومن الداخل حيث يكون في المنزل.
وللتغلب
على الوحدة ومجاراة العصابات في تطورها اشترى "ب" جهاز كمبيوتر مستعملا
واضطر الى ان يطلب المساعدة من الجيل الجديد اي من ربيع ابن جيرانه الماهر
في العمل على الكمبيوتر.
وتنشأ علاقة سرية بين ربيع وبين عطر التي
كانت تدخله الى مخدعها ليبقى الى الصباح وتصفق الباب بقوة ليبدو ان ربيعا
غادر البيت وذلك قبل ان يأتي ب ويقفل الباب.
ويتآمر الاثنان عليه
اذ كان ربيع يرسل له رسائل تثير الشك وتوحي له بتعاون مع هؤلاء الذين
يبدون رجال عصابات وشر. ويحلم هو باستدراجهم للقبض عليهم الى ان يستدرجه
الاثنان الى مكان حيث يذيقانه "علقة دموية قوية".
يقول ربيع "بثت
عطر الثقة في وكنت مراهقا. بذرت ببساطة افكارها في لاوعيي.. فلسفة
اللااستسلام وقبول الواحد للاخر رغم الشوائب. ارشدتني الى القوى التي تخلق
التناغم الجسدي والروحي وتميز بين الغريزي والحقيقي وتوحدهما في المكان
الذي وجدا فيه صدفة."
ويتدخل الكاتب ليقول "تدخلت "الصدفة
الخلاصية" "التعبير لعطر" لتوحد ارادة جيلين رغم التمايز بينهما في هدف
واحد.. الخلاص من سادية "شرطي" يعهر بجسده ووساوسه وسطوته الانسان الطيب
والعاجز وينتزع منه الخلايا الخيرة ويعبر على اشلائه الى وحدانيته
المظلمة."
تقول عطر "يوم سرقت يوميات سجاني اعتقدت انني سأجد
البراهين التي ستمكنني من ادانته. خذلتني اليوميات لانها اوحت -بأسلوب
ماكر- عن شخصية اخرى "رمادية تقف بين رصيفي الابيض والاسود" وهو في
الحقيقة شيطان يتعاطف مع القطط فقط ولا اعرف السبب. سأضيف الى هذه
اليوميات الجانب الواقعي من حياته الذي اهمله او تجاهل ذكره عن قصد كما
يفعل الجاني الساذج عند اخفاء معالم جريمته.
"كان موظفا عاديا
وثقافته شبه معدومة... حقق انتصارات صغيرة. تحرى اثناء الوظيفة وقبض على
لصوص ومهربين هواة. وتفوق على زملائه في القسوة. عندما راهن على ما تقدمه
الانترنت من معلومات مجانية استعاد نشاطه كمتحر وتصالح الى حد ما مع
واقعه.. ولكن.."
"رويترز"