التنظيم في حياة النمل والنحل
حياة النحل والنمل أسرار وحكايات اكتشف الإنسان في العصر
الحديث بعضاً منها، ومازال هناك الكثير من تلك الأسرار التي أودعها الله
في ذلك الكائن الحي الذي أوحي إليه.
فعالم النحل فيه ملكة وعاملات وفيه نظام وانضباط وفيه
تناغم واتساق .. وكلها مظاهر من عظمة الخالق المبدع الذي جعل من أمة النحل
مثالاً يحتذى به في التعاون والنظام، فالكل يعمل حسب سنه ودوره، المهندسات
والبناءات يشيدن قرص النحل، والعاملات يقمن برحلات للكشف عن أماكن الرحيق،
والكيميائيات يتأكدن من نضوج العسل وحفظه.
والخادمات يحافظن على نظافة الشوارع والأماكن العامة في
الخلية، والحارسات على باب الخلية يراقبن من دخل إليها ومن خرج، يطردن
الدخلاء أو من أراد العبث بأمن الخلية.
وعن الحياة الخاصة للنمل، أكدت الأبحاث أن هذا المخلوق
يعتبر من أطول الحشرات عمرًا على الأرض، لأنه يعيش من بضعة أشهر إلى عدة
سنوات وقد يصل عمر الملكة إلى 20 عاماً، أما ذكور النمل فعملها محصور في
التزاوج فقط في تلقيح الملكة، فحينما تقرر الملكة التزاوج يأتي واجبها وبعد
ذلك تموت الذكور مباشرة، فأثناء عملية التزاوج تطرح الملكة أجنحتها، وتفرز
رائحة تميز رائحة المستعمرة.
وهذه الحشرة اجتماعية جداً ولايمكنها العيش بصورة
منفردة، حيث أنها تعيش في مجاميع أو أعشاش أو مستعمرات.
وأعشاش النمل ليست واحدة لجميع أنواع النمل، فمثلاً نمل
المحاصيل يبني حجرات متصلة تحت الأرض، بينما يشبك النمل الخياط أوراق
الشجر ويصنع عشا أخضر أسطواني الشكل، وهناك أعشاش أخرى للنمل قد تكون على
شكل حجرات داخل الأشجار مثلما يفعل النمل الحفار، وأعشاش النمل تحت الأرض
قد تبلغ أربعين قدما عمقاً تحت الأرض.
وتعداد النمل في العش أو المستعمرة قد يصل إلى عشرات
ملايين.. فبيت النمل مقسم، ففيه حجرات للصغار، وهناك حجرة خاصة للملكة،
وحجرات تستخدم كمخازن للطعام، والنمل مقسم إلى مجاميع لكل منها واجبه الخاص
والمحدد، فمنها من هو مسؤول عن الحراسة ومنها من هو مسؤول عن التنظيف
ومنها من هو مسؤول عن الفلاحة ومنه الفرسان ومنها الكسولة، ويجب عدم
الإستغراب إن قلنا بأن مجتمع النمل فاق بنجاحه مجتمع البشر بطريقة أو أخرى.
وقد كشفت دراسة حديثة أن النحل والنمل يعمل مع فصيلته
كفريق واحد وتتعاون في ما بينها من أجل البقاء والدفاع عن نفسها وعن غيرها
في القفران أو الأماكن التي تعيش فيها على عكس حشرات أخرى “أنانية” تفضل
الهرب إذا تعرضت لأي خطر.
ولاحظ علماء من جامعتي أدنبره وأكسفورد أنه في حين أن
بعض أنواع السمك تجهد لحشر نفسها وسط المجموعة التي فيها إذا شعرت بأنها
مهددة من أسماك أخرى قد تلتهمها، فإن النملة أو النحلة تعمل ضمن فريقها
كوحدة متكاملة وتبدي استعداداً للموت والتضحية بنفسها من أجل حماية القفير
أو الأماكن التي تعيش فيها.
وفي هذا السياق، أكد الدكتور أندي جاردنار، أن “العاملات
في فريق النحل على استعداد لتقديم المساعدة للمجموعة التي تعيش معها وحتى
الموت لأن الملكة تحمل وتنقل جيناتها”.
وأوضح جاردنار أن نزعة النحل والنمل للدفاع عن المجموعة
التي تعيش بينها وحتى تضحية الواحدة فيها بنفسها من أجل الآخرين غير موجود
بين مخلوقات كثيرة ومن ضمن ذلك بعض أنواع الأسماك.
وكشف علماء أن العاملات تتلف البيض الذي لا تضعه الملكة
من
أجل ضمان أن ذرية الملكة سوف تعيش وفى نفس الصدد توصل العلماء أن النمل
مثل البشر ويستخدم طرقاً بديلة للابتعاد عنها، وهذا يدل على ذكاء
هذه الحشرات في ابتكار الطرق والحلول البديلة.
وتتدافع هذه الحشرات الدؤوبة وتتسابق من أجل الانتقال
بسرعة ما بين مصدر الطعام ومكان الإقامة مما يدفعها في احيان إلى إيجاد طرق
بديلة.
وقد أفاد العلماء بأن باستطاعة النمل تعليم السائقين
درساً مفيداً حول تجنّب الازدحام والاختناقات المرورية، مؤكدين أن النمل
قادر على إيجاد حلول عندما تتعثر حركته بسبب الزحام.
وأشار الدكتور ديك هلبينج من جامعة درسدين للتكنولوجيا
فى ألمانيا، إلى أن أدمغة النمل تحتوى على ربع مليون خلية ما يجعلها تتفوّق
على بقية الحشرات والحيوانات فى تنظيم حياتها ومساعدتها على تلمّس طريقها
بسهولة وتجنّب الازدحام.
ودعا هليبنج إلى دراسة أعمق لهذه الحشرات النشيطة، لأنها
قد تساعد البشر على التخلّص من مشكلة الازدحام والاختناقات المرورية فى
الكثير من طرقات العالم.
وشيّد فريق من العلماء “طريق نمل سريعة” يتفرّع منه
“شارعان” يؤديان إلى مكان فيه سائل سكري، ولاحظ الباحثون أنه عندما ضاقت
الطريق المؤدية إلى المكان الذى فيه السائل، بدأت هذه الحشرات تتّجه إلى
الطريق الأخرى للتخفيف من الازدحام تحفزها الرغبة فى الحصول على “المكافأة”
التى تنتظرها، أى السائل السكري، وهى بذلك كانت تحذر رفاقها من أن تعلق فى
الازدحام.
وكان العلماء قد اكتشفوا أن بعض الذكور يمررون هذا الجين
بشكل انتقائي للتأكد من أن ذريتهم ستصبح ملكات منتجة للنسل، وليس مجرد
شغيلة.
جانب خاص من حياة النحل
عمل الملكة الحقيقي هو إنتاج البويضات، فالملكة هي
الأنثى الوحيدة المكتملة جنسياً، أما العاملات فلم تكتمل الأعضاء الجنسية
لديهن، ولا تقوم الملكة برعاية أبنائها ولكنها تعتمد على العاملات اللاتي
يحضن صغار النحل ويطعمهن الطعام.
أما العاملات أنفسهن فهن اللاتي يقررن متى وأين يجمعن
رحيق الأزهار، وهن اللاتي يقررن متي تستبدل ملكتهن، وهن اللاتي يحددن متى
يهاجرن في حشد كبير لتشكيل خلية جديدة فلا خلاف بين العاملات ولا صراع .
أما الذكر لا يستطيع سوى عدد قليل منهم في إنجاز مهمتهم
في الحياة، ألا وهي تلقيح الملكة وتـتسبب عملية التزاوج هذه في موت الذكر
الذي يؤدي إلى تلك المهمة، والحقيقة أنه لو لم يكن هناك ذكور لما أمكن حدوث
الإخصاب، ولأدى ذلك إلى موت الخلية.
وعندما تموت الملكة تبدأ شغالات الشمع بناء عدد من
الخلايا الملكية وهي ذات شكل مميز شبيه بإصبع القفاز، وتقوم الشغالات
بتربية عدة يرقات ملكية في آن واحد بتلقيمها الغذاء الملكي، وما أن يتم فقس
أول بيضة عن ملكة حتى تبدأ حملة قتل جماعية تستهدف جميع العذاري الملكات
التي لم تنته من تطورها بعد، فالتشريعات في مملكة النحل تقضي بأن لا يبقي
في المملكة الواحدة سوى ملكة واحدة فقط.
وأول ما تقوم به الملكة الجديدة ضمن استعدادها لرحلة
الزفاف، وهو قتل منافساتها من الملكات، وإذا تصادف أن خرجت ملكتان في آن
واحد فإنه يحدث بينهما نزال ينتهي بموت إحداهما.
وبعد أسبوع من الاستعداد والتجهيز تبدأ مراسم الزفاف
الملكي، فتغادر الملكة الخلية وتحلق فوقها من جهات عديدة، كي لا تخطئ طريق
الرجوع بعد الانتهاء من عملية التلقيح، ثم تقوم ببث عطرها الملكي الجذاب
المثير، وترسل أنغامها الرنانة المغرية.
ويبدأ الطيران وتلحق بها الذكور بعزيمة ونشاط، وكلما
أوشك أحدهم على اللحاق بها زادت سرعتها وارتفعت في الفضاء.
ويتساقط بعض الذكور واحداً تلو الآخر حين يعجزون عن
اللحاق بها، ولا يبقى معها إلا قلة من الذكور، وهنا تنطلق بأقصى سرعة
تستطيعها، وترتفع لأعلى مسافة يمكنها بلوغها، ويظفر بها أقواها بنية
وأجلدها على تحمل المشاق ، ويتم تلقيحها وتنتهي مراسم الزفاف الملكي بعد 15
– 35 دقيقة من بدئها.
وتعود الملكة العروس جارة خلفها تركة عريسها الفقيد،
الدالة على نجاح الزفاف، إذ ينفصل عضو التذكير ومعه جزء من أحشاء الذكر
المسكين فور الانتهاء من التلقيح، وينـزف ذكر النحل المسكين حتى الموت،
بينما تبادر الوصيفات إلى تنظيف الملكة مما علق بها، وتعم الفرحة أرجاء
المملكة، وتبدأ العاملات بتجهيز عيون شمعية جديدة استعداداً لوضع البويضات
فيها.
ويقدر العلماء أن الملكة تضع حوالي 200 – 250 ألف بويضة في الموسم
الواحد، وتترك وراءها قرابة مليون بويضة.